«يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا23: 34).

يا له من شخص عجيب ليس له نظير! فها إنّ يديه لم تعودا تعملان الخير كما عملتا كثيراً, إذ سمرهما البشر على الصليب, ورجليه لم تعودا تحملانه إلى البؤساء والمساكين ليخدمهم, لأنّهما مسمرتان كذلك على الصليب, وشفتيه لم تعودا تنطقان بكلمات الوعظ والتعليم لتلاميذه كعادتهما, لأنّ تلاميذه كلهم تركوه وهربوا.

فبأي شيء ينشغل ذلك الشخص العجيب, في ذلك الوقت العصيب؟ إنه ينشغل بالصلاة لأبيه!

كان آخر عمل عَمِلَه-تبارك اسمه- قبل القبض عليه في بستان جثسيماني هو الصلاة لأبيه, وبعده أُقتيد للمحاكمة, لكنه في كل مراحل المحاكمة ظلّ صامتاً, لم يدافع عن نفسه قط.

ولم ينطق بشيء إلا لكي يشهد للحق, وعندما عُذّب تحمّل الألم صامتاً دون أن يتأوه, إذ كان

"كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ " (إشعياء53: 7).

لكن ذاك الذي ظلّ أمام البشر صامتاً لا يفتح فاه, ها هو يتجه إلى أبيه في صلاة لأجل صالبيه والمسيئين إليه, ليقدم له العذر فيما عملوه. فما أروعه من إله وما أروعها من صلاة «يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا23: 34).        

.