خبز الحياة
تسجيل

قَدْ جَعَلْتُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ أَصْلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ

ما هذا الهدوء الذي في عينيك؟ لماذا لا أسمع ضربات قلبك تتزايد من أثر الادرينالين في دمك؟ العل الخوف لم يجد طريقه الى قلبك؟ أم أنك لا تتزعزع مع علمك بكل ما يأتي عليك لاحقا حيث قلت للأشرار هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ؟

قد وضعت قدمك على طريق الألم عندما قررت أن تأتي الى هذه الدنيا، وثلاث من السنين ونيف حملت فكرة الموت في قلبك، لم تتأفف ولم تتذمر بل جعلت وجهك كَالصَّوَّانِ! من أين لك هذه القوة؟

أنت تعلم جيدا أنه عندما يأتي خبر الموت بالإعدام، َيَذُوبُ كُلُّ قَلْبٍ، وَتَرْتَخِي كُلُّ الأَيْدِي، وَتَيْأَسُ كُلُّ رُوحٍ، وَكُلُّ الرُّكَبِ تَصِيرُ كَالْمَاءِ. فما بالك بالجلد وبالصلّب يأتيان قبل الموت أيضا؟

لم تطلب الرحمة ولم تتوسل من أجل حياتك، بل طلبت فقط من اجل تلاميذك: فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ! وها أنت لم تكمل جملتك بعد، اذ تركك التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا! ما هذه التضحية؟ وأليس قبل قليل لم يقدروا ان يسهروا معك ولا ساعة واحدة؟ لماذا إذاً؟

مع علمك ان الآب يسمع لك فِي كُلِّ حِينٍ، لم تطلب من الآب شيئا من أجل نفسك! ألا يوجد ما تشتهيه نفسك هذه على الأرض؟

ها أنت على الصليب وها أعداؤك أمامك من صلبوك. ألا تريد أن تنتقم بأن تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟ وبدل النقمة ها أنت تطلب من الآب ان «اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»! أي قلب لك؟

وها انت بعد القيامة تطلب من تركوك وهم كلٌ عاد الى حاله. مَن مِن السوق الى السوق ومَن مِن الصيد الى الصيد ذاهبين وراء سمك ليصطادوا ويبيعوا. أما زال الامل لديك بان تخرّج أبطالا من مدرستك؟ ألم تفقد الامل فيهم؟

مهلاّ! عجبي! الخبر صحيح. ماذا اسمع عن هؤلاء الذين هم حفنة من قليلي الايمان والشكاكين والجبناء: فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ! العلهم كانوا ابطالا خارقين دون أن يعرفوا موهبتهم؟

لم يفقد الرب الأمل لا فيهم ولا فيك عزيزي القارئ. وها الصرخة تناديك أيضا: أَنْهِضُوا الأَبْطَالَ. من يعرف؟ لربما كنت أنت البطل التالي في ملكوت المسيح؟

فادي سمعان يعقوب

 

خَلَّصَ آخَرِينَ فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ

(ولما اتو الى موضع الجمجمة وقبل صلبه أَعْطَوْهُ خَلاًّ مَمْزُوجاً بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ). (وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ). فأمسكوه بعنفٍ. كان يتلوى بين ايديهم كطفل لا يقاوم. حبسَ الآهات بين شفتيه, وإذ جردوه من ثيابه التي احتست الدماء من جسده, أي ثوبه المطرّز المفتوح من الأمام, مع ما تحته, الجبّة والقميص, انفتحت شفتاه وصرخ: (أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ). (عِنْدَ كُلِّ أَعْدَائِي صِرْتُ عَاراً وَعِنْدَ جِيرَانِي بِالْكُلِّيَّةِ وَرُعْباً لِمَعَارِفِي. الَّذِينَ رَأُونِي خَارِجاً هَرَبُوا عَنِّي. نُسِيتُ مِنَ الْقَلْبِ مِثْلَ الْمَيْتِ. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ).

وهكذا فعلوا مع اللصين الذين كانا معه, سقوهما خمراً ممزوجةً بمرّ فشربا. وإذ أمسكوهما بعنفٍ, امتلأ المكان منهما صراخاً وتجديفاً. تصارعا مع الجند فأوسعوهما ضرباً ثمّ طرحوهما أرضاً كلٌّ فوق صليبه. ربطوا الأيادي بالحبال, ثمّ سمّروها بالمسامير. وهكذا فعلوا بالأقدام التي سمّروها فوق خشبة ناتئة. ووسط سخرية الجنود اوقفوهما معلقين بين الأرض والسماء. 


حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا,, (هوشع2 : 2 )

أشار كبيرهم الى أحدهم معاتبا إياه بان الجو كئيب في المحكمة ويجب الترفيه عنه وعن الحضور؛ ولم يمض وقت طويل حتى سَمِعَ صَوْتَ آلاَتِ طَرَبٍ وَرَقْصًا. التفت الجميع الى الوراء مهللين حين رأوا الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ تدخل من الباب وَصَوْتُ جُمْهُورٍ مُتَرَفِّهِينَ مَعَهَا، مَعَ أُنَاسٍ مِنْ رَعَاعِ الْخَلْقِ.

خلفها، كن بناتها يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ، وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ، وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ. همس أحدهم لجاره:" انظر، كم صَخَّابَةٌ هِيَ وَجَامِحَةٌ!

كان الجمع مبهورا بالقرمز الذي يغطي جسدها، وبريق الذهب قد اعمى ابصارهم حتى لم يقدروا ان يرفعوا رؤوسهم من كثرة لمعانه.

أما هو، ذاك الذي أحبها، نظر اليها وتذكر كيف مر بها و اذ زمنها زمن الحب، فناداها قائلا: الا تذكري كيف َبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، ..، فَصِرْتِ لِي. ؟

فأجابته بوقاحة: بَاطِلٌ! لاَ! لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ!

حاول أن يخاطب قلبها، بأن يعيد ذكريات المحبة أمام عينيها، فناداها مرة أخرى: ألا تذكرين مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ؟

ابتسمت بخبث وقالت: هذا كان من زمان، أما الان فأنا أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي.

ما أسهل الخيانة! مَا أَمْرَضَ قَلْبَكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِذْ فَعَلْتِ كُلَّ هذَا فِعْلَ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ سَلِيطَةٍ.

لم تعر انتباها او اذانا صاغية، فقد كانت مشغولة بنفسها تنظر في المرآة جمالها، وتكحل عينيها حتى يراها محبوها، لأنهم كثر!

أَيَّتُهَا الْخَرِبَةُ، مَاذَا تَعْمَلِينَ؟ إِذَا لَبِسْتِ قِرْمِزًا، إِذَا تَزَيَّنْتِ بِزِينَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، إِذَا كَحَّلْتِ بِالأُثْمُدِ عَيْنَيْكِ، فَبَاطِلاً تُحَسِّنِينَ ذَاتَكِ، فَقَدْ رَذَلَكِ الْعَاشِقُونَ.

انشغل الجميع معها بالرقص والطرب ونحوه حولوا الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ، أما هو فنظر اليها وَبَكَى عَلَيْهَا لأنها لم تعلم ما هو لسلامها ولم تعرف زمن افتقادها.

هل من أمل لهذه الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ، تلك التي تَأْخُذُ أَجْنَبِيِّينَ مَكَانَ زَوْجِهَا؟ هل من رجاء لكِ أنتِ التي حتى مبغضاتك يَخْجَلْنَ مِنْ طَرِيقِكِ الرَّذِيلَةِ؟

يتبع..>

فادي سمعان يعقوب

لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ.

 

كيف يمكن لك استقبال صوت الرب اذا كان يبث لك على الموجة القصيرة و أنت قد ولفت سمعك على الموجات الطويلة؟

كيف يمكن لله أن يكلمك على تردده , في حين ان الهوائي الخاص بك يستقبل الاف الترددات من كل الجهات؟

كيف يمكن لله أن يتصل بك شخصيا و موبايلك مشغول دائما و الرسالة الالية تخبر الرب بأنك ستتصل به لاحقا و انت لا تفعل ذلك ابدا؟

مكتوب عن صوته أنه مُكَسِّرُ الأَرْزِ وأنه يَقْدَحُ لُهُبَ نَارٍ وهو يُزَلْزِلُ الْبَرِّيَّةَ . و مع أنك ترى الأرز ينكسر أمامك و لهب النار قريب منك و قدماك تشعران بالهزة الأرضية و لكنك عاجز ان تسمعه! لماذا؟

لماذا فقدنا حاسة السمع مع أن الطبيب قال لنا أن درجة السمع عندنا عشرة على عشرة؟ ألعل كلام الرب هَا إِنَّ أُذْنَهُمْ غَلْفَاءُ فَلاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَصْغَوْا ينطبق علينا و نحن بحاجة الى ختان آذاننا؟

احدى القصص تتحدث عن رجل اراد من الله أن يتكلم عبر نار العليقة معه حتى يتبعه و أن يهدم اسوارا مثل اسوار اريحا حتى يقاتل من أجله و ان يهدئ الريح كما في بحر الجليل حتى يسمعه. و ذهب الى قرب البحر حيث هناك نبات عليقة صغيرة بقرب الحائط منتظرا ..

و أرسل الرب نارا ليس على العليقة, بل على أعمال الخطية في حياته فأحرقها. ثم هدم ليس الجدار بقرب البحر, بل الجدار الذي بناه الرجل حوله حتى لا يرى ضيق الاخرين فيساعدهم. و أخيرا هدأ الرب ليس موج البحر , بل اضطرابات قلب الرجل من متاعب الحياة ليستطيع أن يسمعه بوضوح.

و أنتظر الرب ليرى رد فعل الرجل.. ثم انتظر فانتظر..

و لأن الرجل كان ينتظر علامات حسية و لم يرها , صرخ الى الرب: هل فقدت قوتك؟

فأجابه الرب: أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ , أما أنت فقد فقدت سمعك..

عزيزي القارئ , ان لم تولف جهاز الاستقبال الخاص بك على تردد موجة الله اليوم, فلن تستطيع أن تسمع او ترى مجد الله في حياتك.

فادي سمعان يعقوب

 

 

فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي..

لا هي ليست قصة إبراهيم عندما دعاه الرب ليترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه لما خَرَجَ مِنْ حَارَانَ،

ولا هي قصة موسى وشعب الرب بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ من أرض العبودية الى الأرض الموعودة،

بل هي قصة الذي مَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ. هذا الذي خرج من السماء مِنْ عِنْدِ الآبِ وذاك الخروج الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.

وبين الخروج الأول والخروج الأخير كان لابد من دخول الى عالمنا الفاني، بل من نزول. لكن كيف وهو الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ؟ معضلة عسيرة!

نعم معضلة، لكن ليس عند الرب، هأَنَذَا الرَّبُّ إِلهُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ. هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَا؟

ففي الوقت المعين أعدَّ الله الاب الوسيلة بأن أرسل ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ بحيث أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.

وعند دخوله الى العالم، ها هو الابن يصرح عن الهدف الأسمى لمجيئه قائلا هنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ. ومشيئته هي أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.

ولكن لا خلاص بدون ذبيحة وسفك دم وهذا يعني أن هذا الدخول الى هذا العالم كان لا بد أن يتم بخروج مصحوب بموت. وهذا الطفل الجميل الوديع المقمط المضجع في مذود سينمو ليصبح َدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ.

هل علم ابن الاحضان الازلية الذي هو أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ ما هو مقبل عليه من آلام ،عندما اخذ تلك الصورة أنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ؟

يقيناً علم. إذاً لماذا، برأيك أنت عزيزي القارئ، تابع الدرب؟ نعم من أجل هذا السبب: مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا.

كل عام ونحن ومحبته الأبدية لنا بألف خير،،،

فادي سمعان يعقوب

أَغَارُونِي بِمَا لَيْسَ إِلهًا، أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ،

 

كان وَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلاَهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ، وَصَوْتُ كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ.

ولكن ولأنهم بطئي الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ لم يروه هكذا ولا رأوا َكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ.

تقدمَ، وقُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ الى ذاك الذي شهد عليه ليسمع منه سبب شهادته الكاذبة سائلا إياه ان لماذا أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِالشَّرِّ، وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ غِشًّا؟ وبدل أن يهرب هذا الشرير مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، من وجه الرَّبِّ الإِلهِ الْقُدُّوسِ قائلا لِلْجِبَالِ: غَطِّينَا، وَلِلتِّلاَلِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا ويندم في التراب والرماد صارخا ارْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا، لأَنَّنَا كَثِيرًا مَا امْتَلأْنَا هَوَانًا، اذ به يرفع صوته قائلا:قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ!

يا لغباء قلب الانسان ونجاسته؛ مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ، وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا، وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ؟ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ!

حقاً إِنْ دَقَقْتَ الأَحْمَقَ فِي هَاوُنٍ بَيْنَ السَّمِيذِ بِمِدَقّ، لاَ تَبْرَحُ عَنْهُ حَمَاقَتُهُ.

ثم حول نظره مرة أخرى إليهم وهذه المرة لا الى قلوبهم بل الى مظهرهم. رأى قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. رأى كيف كانوا يُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، تلك الأهداب التي طلب منهم أن يصنعونها وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ حتى متى نظروا الى هذا اللون السماوي تذكروا وعملوا كل وصاياه ولم يطوفوا وراء قلوبهم وأعينهم التي هم فَاسِقُونَ وَرَاءَهَا.

هل تذكّروا وصاياه؟ لا بل عَصَوْا كَلاَمَ اللهِ، وَأَهَانُوا مَشُورَةَ الْعَلِيِّ.

هل يا رب كلهم هكذا بدون إيمان، منافقين، متفاخرين بعظمة أهداب ثيابهم؟

لم أنتظر الجواب كثيرا اذ ها هي قادمة..

تسللت من ورائه .. قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: «إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ»! وطلبت الشفاء بإيمان عظيم وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ.. فرضخت السماء لطلب تلك المسكينة وخرجت القوة من شمس البر لتسكب الشفاء من اجنحتها.فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا..

لربما بعدما شاهدوا معجزة الشفاء هذه قد يرجعون اليه، فناداهم قائلاً: تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. و اذا أراد ان يؤكد لهم أنه هو هو الامس واليوم والى الابد, و انه كما عمل معهم في البرية بان أطعمهم طوال مدة حياتهم في البرية سيطعمهم أيضا ناداهم ثانية :أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.

و إذ سمعوا هذه الدعوة الرقيقة منه, طلبوا أن يتشاوروا ليعطوه جوابا.

لم تطل مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وتقدم من أنابوه في الكلام ليعطي الجواب. فوقف بجوار تمثال القمر الذي صاغوه من ذهبهم وفضتهم ووضع يده عليه وفتح فاه وقال بصوت أجش:

إِنَّنَا لاَ نَسْمَعُ لَكَ الْكَلِمَةَ .. بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا، فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ. كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا ..َ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا.!

ثم فتح الجعبة التي معه وأخذ كعكا وقدم للتمثال وهو ينظر بمكر الى قدوس إسرائيل ليرى هل حقا الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ ؟

يتبع..>

فادي سمعان يعقوب

أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟

 

لأنهم أحبوا الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، كانت قاعة المحكمة، ما خلا زاوية واحدة، حالكة السواد ممتلئة ظلمة كأنها مغطاة ببرقع مصنوع من "فانتا بلاك" تلك المادة السوداء التي لا يمكن رؤيتها من شدة سوادها. هناك وفي تلك الزاوية وقف ذاك الذي هو نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ، حيث النُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. وقف وعيناه تسبران أغوار تلك القلوب المظلمة، يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ.

وقف وَهُوَ يُلاَحِظُ كَيْفَ اخْتَارُوا الْمُتَّكَآتِ الأُولَى بعناية؛ كان يقرأ أفكار قلوب أتقاهم وأكثرهم تدينا ويراقب كيف أن َقَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ كَسْبِهِمْ.

«مَتَى يَمْضِي رَأْسُ الشَّهْرِ لِنَبِيعَ قَمْحًا، وَالسَّبْتُ لِنَعْرِضَ حِنْطَةً؟ لِنُصَغِّرَ الإِيفَةَ، وَنُكَبِّرَ الشَّاقِلَ، وَنُعَوِّجَ مَوَازِينَ الْغِشِّ. قال الأول لصاحبه هامساً.

(هل حقا يسألون أين إله العدل؟ ألم يعلموا أني فِي طَرِيقِ الْعَدْلِ أَتَمَشَّى، فِي وَسَطِ سُبُلِ الْحَقِّ؟)

فأجابه الثاني وهو يفرك يداً بيد، لدي فكرة أفضل: لِنَشْتَرِيَ الضُّعَفَاءَ بِفِضَّةٍ، وَالْبَائِسَ بِنَعْلَيْنِ، وَنَبِيعَ نُفَايَةَ الْقَمْحِ» ما رأيك؟

ما هذا الشعب يا رب؟ أَحْسَنُهُمْ مِثْلُ الْعَوْسَجِ.. أهذا هو الشعب الذي خلقته وجبلته وصنعته لمجدك؟ قَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْمًا لِيَصْنَعَ نِفَاقًا، وَيَتَكَلَّمَ عَلَى الرَّبِّ بِافْتِرَاءٍ؟

أراد أن يذكرهم بالأيام السالفة، وبصوته المريح وجه حديثه اليهم قائلاً: اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ. يَا إِسْرَائِيلُ فَأَشْهَدَ عَلَيْكَ: اَللهُ إِلهُكَ أَنَا.

فقفز أحدهم من الصف الأول مقاطعا ً وصرخ قائلاً: يا أخوة أنا أشهد أن ذاك قال كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ فَهُوَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَهُوَ يُسَرُّ بِهِمْ..

ما هذه الشهادة؟ حقاً لِسَانُكَ يَخْتَرِعُ مَفَاسِدَ. كَمُوسَى مَسْنُونَةٍ يَعْمَلُ بِالْغِشِّ.  أين سمعت هذامن فم البار ؟

 

يتبع >>..

فادي سمعان يعقوب


.