خبز الحياة
تسجيل

"ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ" ( مزمور51: 17).

إنّ انكسار قوة يعقوب الطبيعية انكساراً تاماً في (فنيئيل) هو الذي أوجده في الحالة التي تسمح بأن يُلبسه الله قوة روحية.

كذلك عندما كسرت مريم قارورة الطيب فاحت رائحته الذكية وملأت كل البيت.

وأيضاً عندما أخذ الرب يسوع الأرغفة الخمسة وكسرها تكاثر الخبز في نفس عملية التكسير وصار كافياً لأن يُشبع الخمسة الآلاف رجل عدا النساء والأولاد.

ولما قبل الرب يسوع أن يُكسر جسده على الصليب جرى من موته نهر يفيض بماء الحياة لجميع الخطاة لكي يشربوا منه ويحيوا.

كذلك عندما تقع حبة الحنطة في الأرض وتموت وتنكسر ينبت قلبها الداخلي حاملاً المئات من الحبات الأخرى. وهكذا في كل أنواع الحياة من الناحيتين الزمنية والروحية يحب الله الأشياء المنكسرة ويباركها ويجعلها مُثمرة.

.

«يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا23: 34).

يا له من شخص عجيب ليس له نظير! فها إنّ يديه لم تعودا تعملان الخير كما عملتا كثيراً, إذ سمرهما البشر على الصليب, ورجليه لم تعودا تحملانه إلى البؤساء والمساكين ليخدمهم, لأنّهما مسمرتان كذلك على الصليب, وشفتيه لم تعودا تنطقان بكلمات الوعظ والتعليم لتلاميذه كعادتهما, لأنّ تلاميذه كلهم تركوه وهربوا.

فبأي شيء ينشغل ذلك الشخص العجيب, في ذلك الوقت العصيب؟ إنه ينشغل بالصلاة لأبيه!

كان آخر عمل عَمِلَه-تبارك اسمه- قبل القبض عليه في بستان جثسيماني هو الصلاة لأبيه, وبعده أُقتيد للمحاكمة, لكنه في كل مراحل المحاكمة ظلّ صامتاً, لم يدافع عن نفسه قط.

ولم ينطق بشيء إلا لكي يشهد للحق, وعندما عُذّب تحمّل الألم صامتاً دون أن يتأوه, إذ كان

"كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ " (إشعياء53: 7).

لكن ذاك الذي ظلّ أمام البشر صامتاً لا يفتح فاه, ها هو يتجه إلى أبيه في صلاة لأجل صالبيه والمسيئين إليه, ليقدم له العذر فيما عملوه. فما أروعه من إله وما أروعها من صلاة «يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا23: 34).        

.

" ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ" ( مزمور34: 8).

في خضم الشقاء المسيطر على هذا العالم, ليس لنا إلا ملجأ أمين واحد, ألا وهو الله نفسه. " تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ " (مزمور18: 30).

ان فعل "الاتكال" مُشتق من كلمة عبرية تعني (لجأ أو اختبأ في أو مع). وهي توحي بمكان اختباء سري وآمن.

فعندما تنهكنا جهودنا, أو تربكنا مشاكلنا, أو يجرحنا أصدقاؤنا, وعندما يحيط بنا أعداؤنا, يمكننا أن نختبئ في الله.

ليس في هذا العالم أمان. ولو كان لنا أن نجد أماننا في العالم, لَمَا كنا لنختبر البتة بهجة محبة الله وحمايته, فالمكان الوحيد الآمن هو الله نفسه, لان السلامة ليست في غياب الخطر, بل في حضور الله.

عندما تتلبد حياتنا بغيوم العواصف وتلوح المصائب في الأفق, ينبغي لنا أن نُسرع إلى حضرته بالصلاة ونمكث هناك.

" اِرْحَمْنِي يَا اللهُ ارْحَمْنِي لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ" (مزمور57: 1).

.

«لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ " (لوقا12: 32).

هنا وصفان يعبّران عن "القلّة", فالقطيع في ذاته مجموعة قليلة محدودة من الغنم وأيضاً يُوصف بالصِغَر.

والمؤمنون في العالم طائفة ضعيفة وصغيرة العدد. وكل تشبيه جاء في العهد الجديد وُصِفت به الكنيسة, يحمل في معناه الضعف: فهم خراف إذا ما قورنوا بالأسود أو بالذئاب, وهم كرم إذا ما قورنوا بالحقل الواسع, وهم جنة إذا ما قورنوا بصحاري الأرض, وهم جماعة مؤمنين وسط جماهير الوثنيين.

الأقلية دائماً تخاف, أمّا جماعة الرب وإن كانت قليلة لكن ذراع الراعي ومحبته وحكمته وعصاه وعكازه تجعل التعزية والراحة من نصيبهم. وصوته القائل لهم: (لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ), لا يمكن ان يُنسى.

.

"مَضَى الْحَصَادُ انْتَهَى الصَّيْفُ وَنَحْنُ لَمْ نَخْلُصْ!" (إرميا8: 20).

نحن الآن في فترة الحصاد, التي فيها يتعامل الله مع البشرية بالنعمة. وبمجيء الرب الأول ظهرت النعمة المخلّصة لجميع الناس, وجميع الذين خلصوا شهدوا ببشارة النعمة الغنية المُقدّمة إلى العالم أجمع.

وعندما يأتي المسيح ثانيةً, سيُغلق باب النعمة أمام غير المُخلّصين.

في الوقت الحاضر الرب هو الذي يدعو بالمحبة, والإنسان في قساوته وغبائه يرفض أن يستجيب لنداء المحبة والنعمة.

لكن سيأتي الوقت الذي فيه تتوقف الدعوة, عندئذ سيصرخ المتهاونين "مَضَى الْحَصَادُ انْتَهَى الصَّيْفُ وَنَحْنُ لَمْ نَخْلُصْ!"

"وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ" (رؤيا 20: 15).

.

"هَلْ تَفْتَخِرُ الْفَأْسُ عَلَى الْقَاطِعِ بِهَا أَوْ يَتَكَبَّرُ الْمِنْشَارُ عَلَى مُرَدِّدِهِ؟" (إشعياء10: 15).

يعرف الكرام الإلهي التقليم أكثر من أي شخص آخر. وأثناء هذه العملية قد نتألم بشدة تحت ضربة الفأس, ولكنها ضرورية جداً. مثل هذا التقليم له قيمة مزدوجة: فهو,

أولاً: يمنع امتداد الفساد.

ثانياً: يدعم نمو الثمر.

وبينما نتحمل الفأس أثناء حياتنا الخاصة, يجب أن نحترس ألا نتهم سيدنا بالقسوة.

وعندما نشهد مثل هذه التنقية في حياة الآخرين, يجب أن نحترس ألا ندّعي معرفتنا السبب.

إنّ البستاني الحكيم يعمل, وإرادته ودوافعه وأسلوبه وتوقيته مُتقنة.

فلنبارك اليد التي تضرب لأنّها تعمل لتنقيتنا, والنتيجة هي أن نتمتع بالسلام.

"وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ " (عبرانيين12: 11).

.

(فَقَالَ ذَلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: «هُوَ الرَّبُّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَاناً وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ). يوحنا21: 7.

هو الرب, الذي إذا شاء "يوصي الغيم أن لا يمطر" وإذا شاء "يَجْعَلُ الْقَفْرَ غَدِيرَ مِيَاهٍ وَأَرْضاً يَبَساً يَنَابِيعَ مِيَاهٍ" (مزمور107: 35).

هو الرب "لأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْمَسْكِينِ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ" (مزمور109: 31).

هو الرب لأنه "يُخْفضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ وَيضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ " (إشعياء2: 17).

هو الرب لأنه "لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ" (إشعياء42: 2, 3).

هو الرب لأنه "يقَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ فَمَنْ يَرُدُّهَا؟ " (إشعياء14: 27).

هو الرب لأنه "يَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ " (رومية4: 17).

هو الرب لأنه "مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. " (عبرانييين11: 6).

هو الرب, لأن له المجد في الكنيسة إلى جيل أجيال دهر الدهور.

.