أفكار لعظة
تسجيل

1بطرس1: 17-20

سيروا بخوف

مقدمة: ان كلمة الخوف كما وردت في الكتاب المقدس بأصلها العبري او اليوناني تتضمن معنى الرعب او الفزع او التهيب. ويقسم الخوف لقسمين, الأول فطري وسببه الظلام او الضجيج المفاجئ أو الأشياء الغريبة. والثاني مكتسب من الظروف المحيطة بنا.

وبكل الأحوال يكون الخوف نافعاً ومفيدا عندما يجعلنا منتبهين أو متيقظين (كما يحدث مع الطبيب اثناء العملية). ويكون ضاراً عندما يسبب لنا القلق أو فقدان الشهية او قلة النوم او ارباك الفكر او تشتت الذهن...

.

 ومن الملاحظ ان الكتاب المقدس لا يحثنا على نبذ الخوف إلا عندما تكون نتائجه ضارة. ولكن عندما تكون نتائجه ايجابية ونافعة فهو يحثنا ان نحياه.

لاحظ بينما يقول الرب ليشوع (أَمَا أَمَرْتُكَ؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ). يشوع1: 9.

يقول للشعب (لا تَشْتِمِ الاصَمَّ وَقُدَّامَ الاعْمَى لا تَجْعَلْ مَعْثَرَةً بَلِ اخْشَ الَهَكَ. انَا الرَّبُّ.) لاويين19: 14.

جملة انتقالية:

بطرس الرسول في هذا المقطع يقدم لنا دعوة لكي نخاف الله (سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ) مؤكدا على أهمية هذا النوع من الخوف في حياة الانسان المؤمن. ولتأكيد هذه الدعوة يقدم لنا اربعة اسباب سنتأمل فيها لكي نحقق القصد الذي يقودنا اليه الكتاب المقدس, أي (سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ). فما هي هذه الأسباب:

1-سيروا بخوف لأن الله اب (17)

قبل ان يكون الله أبونا, هو الله. لذلك عندما نتحدث عنه ينبغي ان تبعث عظمته وجلاله المهابة في قلوبنا. قال اليهو (عِنْدَ اللهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ. الْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ الْقُوَّةِ وَالْحَقِّ وَكَثِيرُ الْبِرِّ. لاَ يُجَاوِبُ. لِذَلِكَ فَلْتَخَفْهُ النَّاسُ). ايوب37: 22-24.

وبالحقيقة كل شيء نبدو امامه اقزاما يسبب لنا الخوف, فكم بالحري شخص الله. ومن هنا جاء قول موسى للشعب قديما (الرب الهك تتقي) تثنية20: 10.

وقيل عن الناس بعد موت حنانيا وسفيرة (فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ). اعمال5: 11.

ومع ان المؤمنين يدعون الله ابا لكن هذا لا يعني انه يجب التقليل من هيبة الله. نعم هو يحبنا. نعم نحن اولاده. لكنه يبقى الله العظيم المهوب.

ومن المؤسف ان كلمة اب في القديم كانت تحمل معنى مختلفا عما هي الان, فبينما الان العلاقة بين الابن واباه فيها الكثير من الميوعة وقلة الاحترام. كانت العلاقة قديما فيها المزيد من التقدير والمهابة. لاحظ قول الكتاب: (قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي اسْرَائِيلَ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لانِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ الَهُكُمْ. تَهَابُونَ كُلُّ انْسَانٍ امَّهُ وَابَاهُ وَتَحْفَظُونَ سُبُوتِي. انَا الرَّبُّ الَهُكُمْ). لاويين19: 2-3.

وبالتالي عندما يقول الرسول بطرس للمؤمنين (ان كنتم تدعون ابا) أي ما دمتم تعترفون بالله ابا لكم ينبغي ان تفهموا ان الابوة هي مزيد من الاحترام والتوقير والمهابة وليس العكس.

ماهي علاقتك بالله هل تتعامل معه كاب بالمفهوم الدارج, ام بالمفهوم الكتابي. وخاصة اثناء الصلاة, الترنيم, الوعظ, الجلوس في الكنيسة..

اذكر هذا الحق الكتابي(سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ).

2-سيروا بخوف لأن الله يحكم بغير محاباة (17)

وهذا يعني ان الله يراقب اعمالنا ويميز بينها ويدينها هنا على الأرض – لا يحابي (ليس له قانونين).

أمثلة: موسى أخطأ والنتيجة مُنع من دخول الأرض, ورغم عظمة موسى لم يجامله الرب.

قال الملك يهوشافاط للقضاة: (وَالآنَ لِتَكُنْ هَيْبَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمُ. احْذَرُوا وَافْعَلُوا. لأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الرَّبِّ إِلَهِنَا ظُلْمٌ وَلاَ مُحَابَاةٌ وَلاَ ارْتِشَاءٌ)

وقال الرسول بولس لأهل رومية: (وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ). رومية2: 11.

طالما ان الله لا يحابي بالوجوه كيف تتصرف مع الآخرين.

اذكر هذا الحق الكتابي(سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ).

3-سيروا بخوف لأن الله افتداكم(18)

عندما نتحدث عن الفداء لابد ان نتذكر الشعب القديم, فما يريد ان يقوله لنا الر سول بطرس هو التالي: كما ان الله أخرج الشعب القديم من مصر, من ارض العبودية, مفتدياً اياه لكي يعرفوه ويعبدوه. هكذا انتم كمسيحيين افتديتم من عبودية حياة لا علاقة لها بالله, (افتديتم من سيرة باطلة لأنها كانت سيرة شخص منفصل عن الله). افتديتم لكي تعرفوا الله وتعيشوا حياة جديدة تتناسب وهذه المعرفة. لذلك (سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ).

وينبغي ان نتذكر اننا قد افتدينا من هذه السيرة الباطلة ليس بقوتنا لكن بقوة الله لذلك نحن مدعوين لنسير زمان غربتنا بخوف, وألا نعود إلى الماضي الذي حررنا منه الرب. لأن في هذا احتقار لعمله. فالعودة إلى التسليات والشهوات العالمية ومشاكلة العالم في طرقه المزيفة تعني من قِبلنا عدم أمانة.

لذلك اذكروا هذا الحق الكتابي (سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ).

4-سيروا بخوف لأن حياتكم غالية(19)

عندما تمتلك شيئاً لا قيمة له لا تهتم به كثيراً. أما لوكان هذا الشيء غالي الثمن فستحرص ان لا يتعرض للتلف ابداً.

بالنسبة لنا كمؤمنين افتدينا بشيء ثمين, وهذا الثمن المدفوع فينا جعل حياتنا غالية جداً. بل ان المسيح عندما بذل حياته لأجلنا كأني به يقول لنا: لستُ أحسب حياتي أغلى منكم. فقيمتنا من قيمة الدم المسفوك.

معرفتنا لهذا الثمن الذي تكلفه الفداء, يفرض علينا التزامات رفيعة, بحيث تكون حياتنا والتزاماتنا جديرة بهذا الثمن. فلنحرص على عدم الاساءة لهذه الحياة التي قُيمت بدم المسيح. ولنتذكر هذا الحق الكتابي (سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ).

خاتمة:

ان الخوف قد يكون نافعا وقد يكون ضارا, وهذا يُعرف بحسب النتائج التي يعكسها في حياة الانسان.

والكتاب المقدس مع انه يحثنا على رفض الخوف الضار لكنه يحثنا على قبول الخوف النافع اي الخوف المرتبط بشخص الله.

قال المرنم (رأس الحكمة مخافة الرب), أي أعلى درجة في سلم الحكمة هي مخافة الرب. وقال الحكيم (بدء الحكمة مخافة الرب). أي أول درجة في سلم الحكمة هي مخافة الرب. وهذا يعني ان الحكمة تبدأ وتنتهي بمخافة الرب.

والرسول بطرس يقدم لنا في هذا المقطع أربعة أسباب تحثنا على السير في مخافة الرب:

  1. سيروا بخوف لأن الله اب
  2. سيروا بخوف لأن الله يحكم بغير محاباة
  3. سيروا بخوف لأن الله افتداكم
  4. سيروا بخوف لأن حياتكم غالية

ولإلهنا كل المجد إلى الأبد آمين